بالامس .. بالصدفة البحتة ..شاهدت فيلم عصافير النيل (عنوان البوست هو العبارة التي انتهي بها الفيلم)..بطولة فتحي عبد الوهاب في دور عبد الرحيم و دلال عبد العزيز فى دور نرجس و محمود الجندي في دور البهي و نرمين الفقي في دور بسيمة و آخرين .. قصة المبدع ابراهيم أصلان.. اخراج مجدي أحمد علي الفيلم في وجهة نظري أكثر من رائع ... من النادرجدا مشاهدة فيلم يتحد عن العشوائيات و الأحداث في حواري مصر بدون أى تخرج مجروحا... مصدوما من الألم... من الاشخاص و من الحياة كلها... كأن الزمن يقف عند عند مدخل تلك الازقة و الحواري و يسكن... فلا تستجيب للتغيرات .. و تصبح شريعة الغاب هي سبيل الحكم الوحيد
خرجت من هذا الفيلم الذي تدور احدثه فى شارع فضل الله عثمان الضيق الذي تتراص فيه البيوت القديمة تسند بعضها البعض كيلا تقع على رؤوس ساكينها .. تألق فيه كل الابطال... شعرت أنه يعيدني بالزمن الى أيام الطفولة في شبرا العزيزة.. الى بيت ستى و شقتنا القديمة .. و الشاي بالنعناع في شرفة شقتنا في ساعة المغربية
لا أستطيع سرد قصة الفيلم... لا استطيع ان اقول سوى أن عبد الرحيم اللعوب الى اخر نفس يجسده لم يكتفي ببسيمه حبه الاول و الخير ثم افكار الممرضة التي لا تستطيع تحمل قرويته المتمثلة فى جلابيته و تصرفاته على سجيته و تجدها ابعد ما يكون للتمدن التي تربو هي اليه ثم اشجان الارملة التى يتزوجها سرا ثم يطلقها بعد ايام عندما يخبرها بأنها يجب ان تبلغ عن زواجهما كي ينقطع معاش زوجها فترفض هي التضحية بالمعاش التي تربي بها اطفالها على حد قولها ليطلقها في النهاية.. لتزوجه امه فى النهاية بمن تختارها هي و ينجب منها ثلاثة اطفال .. لم تكن ثورة جسده و مشاعره تهدأ حتى و هو يعالج من السرطان و ينقطع عن احياة بين الحين و الاخر.. ليتقابل مع بسيمه بالصدفة ..اذ بها تعالج من السرطان ايضا في نفس المستشفى العام التي يعالج فيها ...شعر رأسها الذي تساقط من العلاج الكيماوي ليؤلمها رؤيته لمنظرها و هي بهذه الحالة بعد كل تلك السنوات..ليطلب عبد الرحيم من ابن اخته عبد الله سرا أن يشتري له باروكة شعر نسائية و ميكياج دون أن يفصح له عن السبب.. ليهديها لبسيمة لترتديها و تضع الميكياج و ترقص له مع باقي المريضات فى العنبر و قد استعادت نسمات الحياة التي كادت ان تختنق بين اروقة المستشفى الكئيبة
نرجس أو ام عبد الله..... أتذكر ستى رحمها الله فيها ... عندما كنا صغارا و نحاول تخويفها بغلق الانوار و الصراخ بأن هناك عفاريت لتضحك هي علينا.. و لا تصدق... على النقيض نرجس تخشى الظلام كثيرا ... حتى أنها ترجت زوجها سي البهي و هم يشربان الشاي في الشباك المطل على الشارع الضيق أن يوّصل لها لمبة في قبرها عندما تموت لمدة اسبوع حتى تعتاد الظلام و لن يكلفه هذا سوى جنيه و ربع... ليسخر هو منها قائلا.. و هل يجوز حساب الملكين شرعا فى نور الكهرباء؟؟
لم تتحمل نرجس فكرة ابلاغ ابنها سلامة الشرطة عن ابنها الاخر عبدالله.. لتسقط طريحة الفراش بعد موت سي البهي و يكون مرض الموت لترحل بعد ايام قليلة عن دنيانا في صمت... يدخل ابنها عبد الله ليفتح الباب على الجثة المسجاه على السرير لان اللمبة اتحرقت فى الغرفة و هو يعلم جيدا ان امه تخشى الظلام .. و يتركه مواربا
تبيع نرجس ذهبها و نحاسها كله - عندما يخرج سي البهي على المعاش مبكرا نتيجة خطأ بيروقراطي- الا عروسة نحاسية واحدة من السرير التي كانت تعلق عن طريقها الناموسية.. تنسى امرها بالسنوات ثم تعود تنظفها اذا وجدتها بالصدفة .. لتذكرها بالزمن الجميل
سي البهي الذى كان مسئول في هيئة البريد منذ ثورة يوليو عن توصيل الخطابات.. يسقط عن الموتوسيكل نتيجة ضعف نظره لتكسر الفسبة و يأخذها منه الكومسيون الطبي و يعطيه شهادة مرضية ... التى تصبح بداية المشاكل بالنسبة له.. نقلوه للكادر الكتابي الذي سوف يقلل من مرتبه نتيجة الغاء بدل التحرك بالفسبه .. وبالتالي معاشه سيقل عما كان متوقع و منظم عليه بقية حياته... بعث شكاوي الى طوب الارض حتى وصلت الى رئيس الجمهورية...يناشده بأن يرفع الظلم الواقع عليه لانه من الذين ساهموا فى انجاح ثورة يوليو حيث كان يتعرف على خطابات الظباط الاحرار المرسلة لكافة طوائف الشعب لانها واحدة فى الشكل و يأمر مساعديه بأن يحافظوا عليها و لا يبلغوا عنها و يرسلوها كل خطاب الى وجهته..فقط كان يناشده برد الجميل على استحياء..حتى وصل به الامر الى التخلي عن كبريائه و اعطاء شكواه الى مرشح انتخابات مجلس الشعب عن الحزب الواطي المنحل و هو يدري جيدا أنه لن يفعل له شيئا لحل مشكلته.. اصابته بالزهايمر في اواخر ايامه ..فلم يعد يتذكر ما تحكي عنه نرجس رفيقة دربه.. حتى وجدت جسده ممدد على الاريكة المتهالكة عند عودتها هي و عبد الرحيم و السحبة فى يده و يرتدي الجونط الذي كانت تسلمه له المصلحة عند الشتاء بعدما ذكرته هي به عند نزولهما من الميكروباص
أما جارهم أبو حنان الذي وجد بريزة ملقاة امام مكان سجوده و هو يصلى جماعة فى المسجد.. ليأخذه و يضعها في جيب جلابيته ليراه البهي و عبد الرحيم و ينظران لبعضها حسرة على الزمن الجميل ... أبو حنان بطل مشهد دخيل في الفيلم ان بعض الاسلاميين السلفيين ينادوا عليه من امام بيته لينزل لهم فينهالوا عليه ضربا لكيلا يمتنع مرة اخرى عن صلة لفجر فى المسجد حتى بحجة المرض.. هذا المشهد كان دخوله قاطع للسياق العام للفيلم و كأنما تم حشره.. كل همه فى الدنيا العربية 128 التى تحتاج لعمرة ليجد يوميا عجلاتها و هي فارغة ليتهم احفاذ نرجس بأنهم من يقوموا بتلك الفعلة الشنعاء..فيكتشف اخيرا ان ابنه صاحبة دكان البقالة هي التى تقوم بذلك يوميا بدون انقطاع شغفها
الفيلم اكثر من ممتاز في رأيي ... يماثل بصورة ممتدة المفعول سماع اغنية طعم البيوت لمنير
جدران بتحضن بعضها جوه منها قلوب كتير
و ابواب بتقفل ع الجنانيني و الوزير
شباك موارب من وراه واقفة الصبايا
قضوا النهار فى الوقفة قدام المرايا
اسرار كتير عدد البيوت في الشوارع
طب ليه ميبنش غير اللى يطلع منه صوت
صوت اللمة لما تحلى ساعة العصاري
تفتح مزاد على الحب تلقى الف شاري
شاهد بيشهد من البداية للنهاية
و كل ركن في قلبه يحكيلك حكاية
و كفاية لما بتلاقيه فاتح دراعه بيناديك
و يقول تعالى فى حضني ده انت واحشني موت