كان جالسا وحده كسير الخاطر في ذلك المرج الأخضر يداعب الحشائش اليانعة بيده الصغيرة و يشرد حينا لتلتمع الدموع في مقلتيه .. فيهز رأسه في محاولة لابعاد تلك الافكار المؤلمة عن تفكيره
و جاءت هي تجري ناحيته .. يتطاير شعرها الذهبي على وجهها تضحك ... و تصيح به هيا قم بنا لنلعب
فنظر إليها بعدم اكتراث قائلا : كلا لست اريد اللعب الآن
تساءلت ببراءة طفولية و هي تقترب منه لتداعب خصلات شعره الأسود: و لم أأنت غاضب مني ؟؟ أشعر بانك حزين ؟؟ أهناك شئ تسبب في ضيقك ؟
تنهد قائلا : لا لست غاضب منك .. و لكنني غاضب من اصدقائي .. فلا اعرف ماذا أفعل كي أرضيهم و أكسب ودّهم .. يصرخون في وجهي كثيرا و قد كرهت تكرار ذلك الأمر بدعوى أننى احبهم و اريد الاحتفاظ بصداقتي معهم و لكنهم لا يقدرون ذلك
جلست بجواره لتريح قدميها الصغيرين و قالت : حسنا لا تحزن اذا أردت اللعب .. فتعال لتلعب معي في اى وقت تشاء
أستلقى على الأرض الخضراء قائلا : و لكني أعرف جميع ألعابك و حفظتها عن ظهر قلب و أنا أحب التجديد .. كنت معهم أبتكر لعبة كل فترة فنستمر في لعبها حتى نسأمها لنبتكر لعبة جديدة و هكذا
فزمت شفتيها قائلة : أتعني بأنني اصبحت أجلب الملل
هز راسه نافيا : لا و لكني لا استطيع فقط قضاء الوقت كله معك بالاضافة الى أننى قد حفظت ذلك المرج المسموح لكي باللعب فيه عن ظهر قلب
أمسكت عصاه صغيرة ملقاة بجوارها و أخذت ترسم قوس على الأرض الرطبة لتأخذ الحشائش انحناءة بسيطة بنفس الشكل و قالت بعد هنيهة من الصمت : حسنا أختر لونا في قوس قزح لنتقابل عنده .. انا اخترت اللون الازرق لاني احبه
فرد بدهشة : ماذا تعني ؟؟ كيف نتقابل عنده
ردت بسرعة : اعني أنه كلما شعرت بالضيق تعال لنتقابل عنده بما انك سئمت من هذا المرج و نلعب سويا هناك
فضحك هاتفا : انتي مجنونة
لترد هي بثقة : لا أنا أعني ما أقول .. كلما تضايقت انظر للسماء و تخيل ان قوس قزح في الافق و نحن نلعب عنده و صدقني ستشعر بالبهجة
فكر قائلا : كلام معقول .. و اعتدل في جلسته قائلا : حسنا ساجاريك لكن مهلا أنا ايضا أحب اللون الازرق
تنهدت قائلة : اعلم هذا ... حسنا سأعطيك نصف مساحته و اخذ انا النصف الباقي و نلتقى في منتصفه
فهز رأسه قائلا : ستعطيني نصفه شئت ام أبيت
فكشرت قائلة : لا لقد تنازلت لك عن نصفه لاني احبك و لن تستطيع ارغامي على اعطاؤه لك اذا لم أكن أريد ذلك .. و اذا أصررت على ما تقوله سيكون مصيرك الى اللون الاحمر الذي أكرهه
فعقد حاجبيه و هو يرد عليها : حسنا ما رأيك سوف آخذه كله
و أمسك العصاة و قال لها : لم يعد لديك أي مساحة من اللون الأزرق .. ربما حان أن تفكري في اللون الاخضر .. اشعر انه يناسبك اكثر .. و يقرن القول برسم دائرة حول القوس الوهمي ليؤكد على ملكيته اياه
فدمعت عيناها : لم اكن انتظر منك ذلك .. لقد أستوليت على قوسي و الوانه جميعها
و أجهشت بالبكاء و هي تدفن راسها بين كفيها الصغيرين
لينتفض هو قائلا في نفسه : ما اغباني و ما أقساني
و تقدم لينحني و يهزها لتلتفت اليه قائلا : لا تبك رجاءا
جلس بجوارها و هو يشعر بالخجل من نفسه .. كانت تريد أن تخرجه من ضيقه ليتسبب هو في ضيقها
أعطاها منديله لكي تمسح به دموعها مرددا : خذي أنت كل ألوان القوس و أسمحي لي فقط أن ازورك فيه لنلعب سويا داخله
نظرت اليه ممتنة و وجهها يضئ بإبتسامة : لا .. لا يرضيني هذا .. لا أحب أن أظل وحيدة بداخله .. أريدنا سويا هناك .. ستأخذ نصف مساحة اللون الازرق .. أتفقنا ؟؟
نظر الى وجهها المشرق قائلا .. موافق .. و لكنك ألست غاضبة مني ؟؟
كانت قطرات الندي قد بدأت في النزول من بعض السحب المنثورة في السماء
وجدها شاردة و تنظر الى الاعلى
فكرر سؤاله ... ثم لم يجد اجابة ليقترب منها هاتفا : ماذا هنالك ؟ الى ماذا تنظرين ؟؟ أتسمعين سؤالي و لا تريدين الاجابة ؟؟ اذن لا زلت غاضبة مني ... كم اكره نفسي الآن
فهبت فجأة واقفة : أنظر هناك في الافق ... انه قوس قزح .. هناك يتلألأ بين قطرات الندى .. هل تراه ؟؟
فنظر ناحية سبابتها الممدودة و تمتم : نعم اراه .. يالا جماله ... حقا أنه رائع
فهتفت و هي تجري ناحيته .. حسنا سانتظرك عنده كما أتفقنا .. عند اللون الازرق.. لا تتأخر في المجئ
و اخذت تجري كالفراشة ناحيته و صوت ضحكاتها الطفولية يتردد في انحاء المرج حتي لتسمعه العصافير في السماء
و هو مذهول في مكانه لعدة ثوان .. لم يستوعب الامر لكنه أنتفض و وقف صارخا باعلى صوته و هو يجري ناحيتها .. انتظرينى
أنا آت اليك حالا ..... فقط أنتظريني هناك
********
تحياتي