Thursday, September 21, 2006

أنتظرك.. عند قوس قزح




كان جالسا وحده كسير الخاطر في ذلك المرج الأخضر يداعب الحشائش اليانعة بيده الصغيرة و يشرد حينا لتلتمع الدموع في مقلتيه .. فيهز رأسه في محاولة لابعاد تلك الافكار المؤلمة عن تفكيره
و جاءت هي تجري ناحيته .. يتطاير شعرها الذهبي على وجهها تضحك ... و تصيح به هيا قم بنا لنلعب
فنظر إليها بعدم اكتراث قائلا : كلا لست اريد اللعب الآن
تساءلت ببراءة طفولية و هي تقترب منه لتداعب خصلات شعره الأسود: و لم أأنت غاضب مني ؟؟ أشعر بانك حزين ؟؟ أهناك شئ تسبب في ضيقك ؟
تنهد قائلا : لا لست غاضب منك .. و لكنني غاضب من اصدقائي .. فلا اعرف ماذا أفعل كي أرضيهم و أكسب ودّهم .. يصرخون في وجهي كثيرا و قد كرهت تكرار ذلك الأمر بدعوى أننى احبهم و اريد الاحتفاظ بصداقتي معهم و لكنهم لا يقدرون ذلك
جلست بجواره لتريح قدميها الصغيرين و قالت : حسنا لا تحزن اذا أردت اللعب .. فتعال لتلعب معي في اى وقت تشاء
أستلقى على الأرض الخضراء قائلا : و لكني أعرف جميع ألعابك و حفظتها عن ظهر قلب و أنا أحب التجديد .. كنت معهم أبتكر لعبة كل فترة فنستمر في لعبها حتى نسأمها لنبتكر لعبة جديدة و هكذا
فزمت شفتيها قائلة : أتعني بأنني اصبحت أجلب الملل
هز راسه نافيا : لا و لكني لا استطيع فقط قضاء الوقت كله معك بالاضافة الى أننى قد حفظت ذلك المرج المسموح لكي باللعب فيه عن ظهر قلب
أمسكت عصاه صغيرة ملقاة بجوارها و أخذت ترسم قوس على الأرض الرطبة لتأخذ الحشائش انحناءة بسيطة بنفس الشكل و قالت بعد هنيهة من الصمت : حسنا أختر لونا في قوس قزح لنتقابل عنده .. انا اخترت اللون الازرق لاني احبه
فرد بدهشة : ماذا تعني ؟؟ كيف نتقابل عنده
ردت بسرعة : اعني أنه كلما شعرت بالضيق تعال لنتقابل عنده بما انك سئمت من هذا المرج و نلعب سويا هناك
فضحك هاتفا : انتي مجنونة
لترد هي بثقة : لا أنا أعني ما أقول .. كلما تضايقت انظر للسماء و تخيل ان قوس قزح في الافق و نحن نلعب عنده و صدقني ستشعر بالبهجة
فكر قائلا : كلام معقول .. و اعتدل في جلسته قائلا : حسنا ساجاريك لكن مهلا أنا ايضا أحب اللون الازرق
تنهدت قائلة : اعلم هذا ... حسنا سأعطيك نصف مساحته و اخذ انا النصف الباقي و نلتقى في منتصفه
فهز رأسه قائلا : ستعطيني نصفه شئت ام أبيت
فكشرت قائلة : لا لقد تنازلت لك عن نصفه لاني احبك و لن تستطيع ارغامي على اعطاؤه لك اذا لم أكن أريد ذلك .. و اذا أصررت على ما تقوله سيكون مصيرك الى اللون الاحمر الذي أكرهه
فعقد حاجبيه و هو يرد عليها : حسنا ما رأيك سوف آخذه كله
و أمسك العصاة و قال لها : لم يعد لديك أي مساحة من اللون الأزرق .. ربما حان أن تفكري في اللون الاخضر .. اشعر انه يناسبك اكثر .. و يقرن القول برسم دائرة حول القوس الوهمي ليؤكد على ملكيته اياه
فدمعت عيناها : لم اكن انتظر منك ذلك .. لقد أستوليت على قوسي و الوانه جميعها
و أجهشت بالبكاء و هي تدفن راسها بين كفيها الصغيرين
لينتفض هو قائلا في نفسه : ما اغباني و ما أقساني
و تقدم لينحني و يهزها لتلتفت اليه قائلا : لا تبك رجاءا
جلس بجوارها و هو يشعر بالخجل من نفسه .. كانت تريد أن تخرجه من ضيقه ليتسبب هو في ضيقها
أعطاها منديله لكي تمسح به دموعها مرددا : خذي أنت كل ألوان القوس و أسمحي لي فقط أن ازورك فيه لنلعب سويا داخله
نظرت اليه ممتنة و وجهها يضئ بإبتسامة : لا .. لا يرضيني هذا .. لا أحب أن أظل وحيدة بداخله .. أريدنا سويا هناك .. ستأخذ نصف مساحة اللون الازرق .. أتفقنا ؟؟
نظر الى وجهها المشرق قائلا .. موافق .. و لكنك ألست غاضبة مني ؟؟
كانت قطرات الندي قد بدأت في النزول من بعض السحب المنثورة في السماء
وجدها شاردة و تنظر الى الاعلى
فكرر سؤاله ... ثم لم يجد اجابة ليقترب منها هاتفا : ماذا هنالك ؟ الى ماذا تنظرين ؟؟ أتسمعين سؤالي و لا تريدين الاجابة ؟؟ اذن لا زلت غاضبة مني ... كم اكره نفسي الآن
فهبت فجأة واقفة : أنظر هناك في الافق ... انه قوس قزح .. هناك يتلألأ بين قطرات الندى .. هل تراه ؟؟
فنظر ناحية سبابتها الممدودة و تمتم : نعم اراه .. يالا جماله ... حقا أنه رائع
فهتفت و هي تجري ناحيته .. حسنا سانتظرك عنده كما أتفقنا .. عند اللون الازرق.. لا تتأخر في المجئ
و اخذت تجري كالفراشة ناحيته و صوت ضحكاتها الطفولية يتردد في انحاء المرج حتي لتسمعه العصافير في السماء
و هو مذهول في مكانه لعدة ثوان .. لم يستوعب الامر لكنه أنتفض و وقف صارخا باعلى صوته و هو يجري ناحيتها .. انتظرينى
أنا آت اليك حالا ..... فقط أنتظريني هناك
********
تحياتي

6 comments:

Anonymous said...

لا أستطيع القول سوى أنني غرقت في سحر الإحساس المتدفق من بين السطور
ما أجمل بساطتك و تلقائيتك
تحياتي

إيمــــان ســعد said...

شكرا لك

كثير من احداثها حدث بالفعل و لكن الابطال كانوا اكبر سنا

و لكنهم اطفال فى داخلهم

تحياتي اليك

Anonymous said...

تعجز الكلمات عن التعبير امامك
لا املك سوي ان اقول اني امام فنانه موهوبة و مرهفة الحس و مبدعة بالفطرة

يوما ما اذا لم تظل الموازين مختلفة ستكونين شيئا مختلفا

سلامي

إيمــــان ســعد said...

جزاك الله خيرا على تشجيعك يا عزيزتي

تكفي كلماتك لاعطائى دفعة لللامام دائما

و يا ليتنى اكون عند حسن ظنك كالعادة


تحياتي

LAMIA MAHMOUD said...

عبقرية القصة .. وعلى فكرة وانا بقراها فعلا حسيت ان ابطالها اكبر في السن من سن الطفولة
ربنا يوفقك

إيمــــان ســعد said...

لماحة انتى حقا يا عزيزتي

شكرا على كلماتك الرقيقة

تحياتى الخالصة